تم النسخ!
كسر العظم الزورقي: التشخيص، الأسباب، العلاج، والمضاعفات
يعد كسر العظم الزورقي (Scaphoid Fracture) أحد أكثر كسور عظام الرسغ شيوعا، ولكنه في الوقت ذاته من أكثرها خداعا وقابلية للتشخيص الخاطئ. يقع هذا العظم الصغير، الذي يشبه شكل القارب، في قاعدة الإبهام ويلعب دورا حيويا في استقرار وحركة المعصم. تحدث معظم هذه الكسور نتيجة السقوط على يد ممدودة، وهي إصابة شائعة في الرياضة والحوادث اليومية. تكمن خطورة هذه الإصابة في أن أعراضها الأولية قد تكون خفيفة، مما يدفع الكثيرين إلى إهمالها واعتبارها مجرد التواء بسيط.
تحليل شخصي: نرى أن المأساة الحقيقية لكسر العظم الزورقي تكمن في بساطة أعراضه الأولية. يعتقد المريض أنه مجرد التواء بسيط في المعصم، وقد لا يظهر الكسر في الأشعة السينية الأولية، مما يعطي شعورا زائفا بالأمان. هذا التأخير في التشخيص هو العدو الأول للعظم الزورقي، حيث إن إمداده الدموي الفريد والهش يجعله عرضة لمضاعفات خطيرة مثل عدم الالتئام وموت العظم إذا لم يتم تثبيته وعلاجه بشكل فوري وصحيح.
⚠️ إخلاء مسؤولية طبية: هذا المحتوى ذو طبيعة توعوية ولا يشكل استشارة طبية احترافية ولا يغني بأي حال من الأحوال عن الاستشارة الطبية المهنية. يشدد بشكل قاطع على ضرورة استشارة الطبيب المعتمد قبل أي إجراء علاجي، لضمان التقييم الدقيق والمناسب لحالتك الفردية وسلامتك.
![]() |
| التشخيص المبكر لكسر العظم الزورقي ضروري لتجنب المضاعفات طويلة الأمد |
يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على هذه الإصابة الصامتة، مع شرح مفصل لأسبابها، وأعراضها الخادعة، وأهمية التشخيص الدقيق، بالإضافة إلى خيارات العلاج المتاحة والمضاعفات المحتملة.
الأسباب وآلية الإصابة الشائعة
السبب الأكثر شيوعا لكسر العظم الزورقي، بنسبة تتجاوز 90%، هو السقوط على كف يد ممدودة (FOOSH - Fall on an Outstretched Hand). عند السقوط، ينتقل وزن الجسم بالكامل عبر راحة اليد إلى المعصم، مما يضغط على العظم الزورقي بين عظمة الكعبرة (Radius) وعظام الرسغ الأخرى، ويؤدي إلى كسره.
وهذا يشبه تماما نقطة الضعف في سلسلة متصلة؛ فالعظم الزورقي هو الحلقة التي تربط صفي عظام الرسغ، وأي قوة ضغط مفاجئة تتركز عليه. مثلما ينقطع رابط صغير في سلسلة حديدية تحت ضغط هائل، ينكسر العظم الزورقي تحت وطأة وزن الجسم عند السقوط.
تشمل الفئات الأكثر عرضة لهذه الإصابة:
- الرياضيون: خاصة في رياضات مثل التزلج على الجليد أو الألواح، وكرة القدم، وكرة السلة، والجمباز، حيث يكون السقوط أمرا واردا.
- الشباب والبالغون النشطون: هذه الفئة العمرية هي الأكثر تعرضا لمثل هذه الحوادث.
- عمال بعض المهن: مثل عمال البناء الذين قد يتعرضون للسقوط من ارتفاعات.
الأعراض الخادعة وأهمية التشخيص المبكر
على عكس الكسور الأخرى، قد لا يسبب كسر العظم الزورقي ألما شديدا أو تشوها واضحا، مما يجعله خادعا.
| العرض | الوصف والتفاصيل |
|---|---|
| الألم في "صندوق الاستنشاق" | ألم عند الضغط على المنطقة المثلثية في قاعدة الإبهام (Anatomical Snuffbox). هذا هو العرض الأكثر تحديدا. |
| تورم خفيف | قد يكون هناك تورم بسيط وكدمات في المعصم، ولكن ليس بالضرورة بشكل واضح. |
| صعوبة في الإمساك | ألم عند محاولة الإمساك بالأشياء أو إدارة مقبض الباب. |
| مدى حركة محدود | صعوبة في ثني المعصم للخلف أو تحريك الإبهام. |
التحدي الأكبر في التشخيص هو أن الأشعة السينية (X-ray) الأولية قد لا تظهر الكسر، خاصة إذا كان غير متبدل (non-displaced). لهذا السبب، إذا كان هناك شك سريري قوي (ألم في صندوق الاستنشاق)، يجب التعامل مع الإصابة على أنها كسر وتثبيت المعصم في جبيرة، ثم إعادة الفحص والأشعة بعد أسبوعين. قد تكون هناك حاجة إلى فحوصات أكثر دقة مثل التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) أو التصوير المقطعي المحوسب (CT scan) لتأكيد التشخيص.
تحديات الشفاء وخيارات العلاج
يكمن التحدي الرئيسي في التئام العظم الزورقي في إمداده الدموي الضعيف والفريد من نوعه. يدخل الدم إلى هذا العظم من طرفه البعيد ويتجه نحو طرفه القريب (إمداد دموي راجع). هذا يعني أن الكسر في منتصف العظم أو في الجزء القريب منه يمكن أن يقطع إمداد الدم عن الجزء المكسور، مما يؤدي إلى مضاعفات خطيرة.
ونرى أن قرار العلاج بين الجبيرة والجراحة ليس مجرد خيار طبي، بل هو موازنة دقيقة بين عوامل متعددة تشمل مكان الكسر، درجة التبدل، وعمر المريض ونشاطه. بالنسبة لرياضي محترف، قد تكون العودة السريعة للملاعب هي الأولوية، مما يجعل الجراحة خيارا أفضل، بينما قد يفضل شخص آخر تجنب مخاطر الجراحة واختيار فترة تجبير أطول.
تعتمد خطة العلاج على مكان الكسر وما إذا كان متبدلا أم لا:
- العلاج التحفظي (الجبيرة): للكسور غير المتبدلة، يتم وضع المعصم في جبيرة خاصة تشمل الإبهام (Thumb spica cast) لفترة طويلة قد تمتد من 6 أسابيع إلى عدة أشهر، حتى يظهر الالتئام في الأشعة.
- التدخل الجراحي: يتم اللجوء إليه في حالة الكسور المتبدلة (displaced) أو الكسور القريبة التي يكون فيها خطر انقطاع الدم مرتفعا. تتضمن الجراحة تثبيت الكسر باستخدام مسمار معدني صغير، مما يعزز الاستقرار ويسرع من عملية الشفاء والعودة للنشاط.
المضاعفات المحتملة في حال إهمال العلاج:
- عدم الالتئام (Nonunion): فشل العظم في الشفاء، مما يسبب ألما مزمنا وضعفا في المعصم.
- النخر اللاوعائي (Avascular Necrosis - AVN): موت جزء من العظم بسبب انقطاع إمداد الدم، وهو من أخطر المضاعفات.
- التهاب المفاصل التنكسي (Degenerative Arthritis): مع مرور الوقت، يؤدي عدم استقرار المعصم الناتج عن عدم الالتئام إلى تآكل الغضاريف والإصابة بالتهاب المفاصل.
في الختام، لا ينبغي أبدا الاستهانة بألم المعصم بعد السقوط. كسر العظم الزورقي هو "ذئب في ثوب حمل"، حيث يخفي وراء أعراضه البسيطة احتمالية حدوث مضاعفات مدمرة على المدى الطويل. التشخيص الدقيق والمبكر، حتى لو تطلب فحوصات متقدمة، هو حجر الزاوية في العلاج الناجح. إن الالتزام بخطة العلاج، سواء كانت جبيرة طويلة الأمد أو تدخلا جراحيا، هو السبيل الوحيد لضمان شفاء هذا العظم الحيوي والحفاظ على وظيفة المعصم وتجنب الألم المزمن والإعاقة في المستقبل.


















