تم النسخ!
خلع الركبة الحقيقي: الأسباب والأعراض وحتمية العلاج الطارئ
عندما يُذكر مصطلح "خلع الركبة"، يتبادر إلى ذهن الكثيرين خروج عظمة الصابونة (الرضفة) من مكانها، وهي إصابة شائعة نسبيا. ولكن، خلع الركبة الحقيقي (Tibiofemoral Dislocation) هو حدث مختلف تماما؛ إنها إصابة كارثية شديدة الخطورة، تحدث عندما تنفصل عظمة الفخذ تماما عن عظمة الساق (الظنبوب). لا يعتبر هذا مجرد إصابة في العظام، بل هو حالة طبية طارئة من الدرجة الأولى قد تؤدي إلى بتر الساق إذا لم يتم التعامل معها بسرعة وكفاءة.
تحليل شخصي: من واقع الخبرة في غرف الطوارئ، نرى أن اللحظات الأولى بعد وصول مريض بخلع في الركبة هي الأكثر حسما. الأولوية القصوى لا تكون للعظام المشوهة، بل للتحقق من نبض القدم. إن غياب النبض هو جرس إنذار يصم الآذان، يشير إلى احتمال إصابة الشريان الرئيسي خلف الركبة (الشريان المأبضي)، وهي إصابة تعني أن الساعة تدق حرفيا لإنقاذ الساق من الغرغرينا والبتر. هذا التركيز على الأوعية الدموية قبل العظام هو ما يميز التعامل مع هذه الإصابة عن غيرها.
⚠️ إخلاء مسؤولية طبية: هذا المحتوى ذو طبيعة توعوية ولا يشكل استشارة طبية احترافية ولا يغني بأي حال من الأحوال عن الاستشارة الطبية المهنية. يشدد بشكل قاطع على ضرورة استشارة الطبيب المعتمد قبل أي إجراء علاجي، لضمان التقييم الدقيق والمناسب لحالتك الفردية وسلامتك.
![]() |
| خلع الركبة الحقيقي هو إصابة مدمرة تتطلب تقييما وعلاجا عاجلا للأوعية الدموية والأعصاب. |
يهدف هذا المقال إلى توضيح الفارق الجوهري بين خلع الصابونة وخلع الركبة الحقيقي، مع التركيز على أسباب هذه الإصابة الخطيرة، وأعراضها المنذرة بالخطر، وأهمية التشخيص والعلاج الفوري لضمان أفضل النتائج الممكنة.
الأسباب الشائعة: قوة هائلة لتمزيق المفصل
مفصل الركبة مستقر للغاية بفضل شبكة معقدة وقوية من الأربطة، بما في ذلك الأربطة الصليبية (الأمامي والخلفي) والأربطة الجانبية. لحدوث خلع حقيقي، يتطلب الأمر تعرض المفصل لقوة هائلة قادرة على تمزيق عدة أربطة من هذه الأربطة دفعة واحدة.
وهذا يشبه إلى حد كبير انهيار جسر معلق؛ فالجسر مصمم لتحمل الأحمال العادية، ولكنه لا يصمد أمام زلزال عنيف أو اصطدام هائل يدمر الكابلات الفولاذية الرئيسية التي تمنحه الثبات. وبالمثل، فإن أربطة الركبة هي كابلات الدعم، والخلع هو الانهيار الكامل لهذا الهيكل.
تشمل الأسباب الأكثر شيوعا ما يلي:
- حوادث السيارات عالية السرعة: خاصة حوادث "لوحة القيادة"، حيث ترتطم الركبة بلوحة القيادة بقوة هائلة تدفع عظمة الساق للخلف.
- السقوط من ارتفاعات كبيرة: حيث يمتص مفصل الركبة قوة الصدمة الكاملة.
- إصابات رياضية عنيفة: مثل الالتحام القوي في كرة القدم الأمريكية، أو السقوط بسرعات عالية أثناء التزلج.
- إصابات السحق: التي تحدث في حوادث العمل أو الكوارث الطبيعية.
- السمنة المفرطة: في بعض الحالات النادرة، يمكن أن يحدث خلع الركبة نتيجة لصدمة منخفضة الطاقة (مثل التعثر والسقوط) لدى الأشخاص الذين يعانون من السمنة المفرطة.
الأعراض والعلامات التحذيرية التي لا يمكن تجاهلها
أعراض خلع الركبة تكون دراماتيكية وواضحة، ولكن الأهم هو الانتباه للعلامات التي تشير إلى تلف الأوعية الدموية أو الأعصاب، والتي تتطلب تدخلا جراحيا فوريا.
| العرض/العلامة | الوصف والأهمية السريرية |
|---|---|
| ألم شديد لا يطاق | ألم فوري وحاد وعميق، يفوق بكثير ألم الإصابات العادية. |
| تشوه واضح في المفصل | تبدو الساق في زاوية غريبة وغير طبيعية بشكل صارخ. |
| عدم القدرة على الحركة | استحالة تحريك الركبة أو الوقوف على الساق المصابة. |
| برودة أو شحوب القدم | علامة خطيرة جدا! تشير إلى انقطاع تدفق الدم إلى القدم بسبب إصابة الشريان المأبضي. |
| فقدان الإحساس أو التنميل | علامة خطيرة! تشير إلى تلف الأعصاب، وخاصة العصب الشظوي، مما قد يؤدي إلى "سقوط القدم". |
| غياب النبض في القدم | حالة طوارئ قصوى! تتطلب تقييما فوريا من جراح الأوعية الدموية. |
قد تعود الركبة المخلوعة إلى مكانها تلقائيا في بعض الأحيان، مما قد يعطي انطباعا خاطئا بأن الإصابة ليست خطيرة. ومع ذلك، حتى لو بدا شكل الركبة طبيعيا، فإن الضرر الذي لحق بالأربطة والأوعية الدموية لا يزال موجودا ويجب تقييمه فورا.
التشخيص والعلاج: سباق ضد الزمن
يتم التعامل مع خلع الركبة في قسم الطوارئ. تتضمن الخطوات الأولية ما يلي:
ونرى أن القرار الأكثر أهمية في غرفة الطوارئ هو ما إذا كان المريض بحاجة إلى تصوير الأوعية الدموية (Angiogram) أم لا. الفحص السريري للنبض قد يكون خادعا في بعض الأحيان. لذلك، فإن الممارسة القياسية في العديد من المراكز الطبية هي إجراء فحص "مؤشر الضغط الكاحلي العضدي" (ABI). إذا كانت النتيجة منخفضة، يتم الانتقال فورا إلى تصوير الأوعية المقطعي (CT Angiogram) لتحديد مكان الإصابة في الشريان. هذا النهج المنهجي يقلل من فرصة إغفال إصابة وعائية كارثية.
- الرد المغلق (Closed Reduction): يقوم الطبيب بإعادة عظام المفصل إلى مكانها الطبيعي بعناية. يتم هذا الإجراء تحت التخدير لتخفيف الألم وإرخاء العضلات.
- التقييم الوعائي والعصبي: الفحص الدقيق والمستمر للنبض والإحساس والحركة في القدم قبل وبعد الرد.
- التثبيت: يتم وضع الساق في جبيرة أو مثبت خارجي للحفاظ على استقرار المفصل ومنع حدوث خلع مرة أخرى.
- الجراحة: تقريبا جميع حالات خلع الركبة تتطلب جراحة لاحقة لإعادة بناء الأربطة الممزقة. إذا كان هناك تلف في الشريان، فإن جراحة إصلاح الأوعية الدموية الطارئة تصبح هي الأولوية المطلقة وتسبق أي جراحة للعظام.
رحلة التعافي طويلة وشاقة، وغالبا ما تستغرق من 9 إلى 12 شهرا أو أكثر، وتتطلب برنامجا مكثفا من العلاج الطبيعي لاستعادة نطاق الحركة وقوة العضلات.
في الختام، يجب التأكيد على أن خلع الركبة الحقيقي هو أحد أخطر الإصابات في مجال جراحة العظام. إنه ليس مجرد "التواء سيء"، بل هو حدث يغير مسار الحياة ويتطلب وعيا عاليا من قبل المسعفين والأطباء للتعرف على علامات الخطر الوعائية والعصبية. إن التعامل السريع والمنسق بين جراحي العظام وجراحي الأوعية الدموية هو المفتاح لإنقاذ الساق وتمكين المريض من السير مجددا. إن فهم خطورة هذه الإصابة هو الخطوة الأولى نحو ضمان الحصول على الرعاية الطارئة اللازمة في الوقت المناسب.


















